الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.قال الزمخشري: سورة ن مكية، وهي اثنان وخمسون آية، نزلت بعد العلق.بسم اللّه الرحمن الرحيم.[سورة القلم: آية 1] {ن والْقلمِ وما يسْطُرُون (1)}قرئ: {ن والقلم} بالبيان والإدغام، وبسكون النون وفتحها وكسرها، كما في ص. والمراد هذا الحرف من حروف المعجم.وأمّا قولهم: هو الدواة فما أدرى أهو وضع لغوى أم شرعي؟ولا يخلو إذا كان اسما للدواة من أن يكون جنسا أو علما، فإن كان جنسا فأين الإعراب والتنوين، وإن كان علما فأين الإعراب، وأيهما كان فلابد له من موقع في تأليف الكلام.فإن قلت: هو مقسم به وجب إن كان جنسا أن تجرّه وتنوّنه، ويكون القسم بدواة منكرة مجهولة، كأنه قيل: ودواة والقلم، وإن كان علما أن تصرفه وتجرّه، أو لا تصرفه وتفتحه للعلمية والتأنيث، وكذلك التفسير بالحوت: إما أن يراد نون من النينان. أو يجعل علما لليهموت الذي يزعمون، والتفسير باللوح من نور أو ذهب، والنهر في الجنة نحو ذلك. وأقسم بالقلم: تعظيما له، لما في خلقه وتسويته من الدلالة على الحكمة العظيمة، ولما فيه من المنافع والفوائد التي لا يحيط بها الوصف {وما يسْطُرُون} وما يكتب من كتب. وقيل: ما يستره الحفظة، وما موصولة أو مصدرية. ويجوز أن يراد بالقلم أصحابه، فيكون الضمير في {يسْطُرُون} لهم كأنه قيل: وأصحاب القلم ومسطوراتهم. أو وسطرهم، ويراد بهم كل ما يسطر، أو الحفظة..[سورة القلم: الآيات 2- 3] {ما أنْت بِنِعْمةِ ربِّك بِمجْنُونٍ (2) وإِنّ لك لأجْرا غيْر ممْنُونٍ (3)}.فإن قلت: بم يتعلق الباء في {بِنِعْمةِ ربِّك} وما محله؟ قلت: يتعلق بمجنون منفيا، كما يتعلق بعاقل مثبتا في قولك: أنت بنعمة اللّه عاقل، مستويا في ذلك الإثبات والنفي استواءهما في قولك: ضرب زيد عمرا، وما ضرب زيد عمرا: تعمل الفعل مثبتا ومنفيا إعمالا واحدا، ومحله النصب على الحال، كأنه قال: ما أنت بمجنون منعما عليك بذلك، ولم تمنع الباء أن يعمل مجنون فيما قبله، لأنها زائدة لتأكيد النفي. والمعنى، استبعاد ما كان ينسبه إليه كفار مكة عداوة وحسدا، وأنه من إنعام اللّه عليه بحصافة العقل والشهامة التي يقتضيها التأهيل للنبوّة، بمنزل {وإِنّ لك} على احتمال ذلك وإساغة الغصة فيه والصبر عليه {لأجْرا} لثوابا {غيْر ممْنُونٍ} غير مقطوع كقوله: {عطاء غيْر مجْذُوذٍ} أو غير ممنون عليك به، لأنه ثواب تستوجبه على عملك، وليس بتفضل ابتداء، وإنما تمنّ الفواضل لا الأجور على الأعمال..[سورة القلم: آية 4] {وإِنّك لعلى خُلُقٍ عظِيمٍ (4)}.استعظم خلقه لفرط احتماله الممضات من قومه وحسن مخالفته ومداراته لهم. وقيل: هو الخلق الذي أمره اللّه تعالى به في قوله تعالى خُذِ الْعفْو وأْمُرْ بِالْعُرْفِ وأعْرِضْ عنِ الْجاهِلِين وعن عائشة رضى اللّه عنها: أن سعيد بن هشام سألها عن خلق رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقالت: «كان خلقه القرآن، ألست تقرأ القرآن: {قد أفلح المؤمنون}»..[سورة القلم: الآيات 5- 6] {فستُبْصِرُ ويُبْصِرُون (5) بِأيِّكُمُ الْمفْتُونُ (6)}.{الْمفْتُونُ} المجنون، لأنه فتن: أى محن بالجنون. أو لأن العرب يزعمون أنه من تخبيل الجن، وهم الفتان للفتاك منهم، والباء مزيدة. أو المفتون مصدر كالمعقول والمجلود، أى: بأيكم الجنون. أو بأى الفريقين منكم الجنون، أبفريق المؤمنين أم بفريق الكافرين؟ أى: في أيهما يوجد من يستحق هذا الاسم: وهو تعريض بأبى جهل بن هشام والوليد بن المغيرة وأضرابهما، وهذا كقوله تعالى: {سيعْلمُون غدا منِ الْكذّابُ الْأشِرُ}..[سورة القلم: الآيات 7- 9] {إِنّ ربّك هُو أعْلمُ بِمنْ ضلّ عنْ سبِيلِهِ وهُو أعْلمُ بِالْمُهْتدِين (7) فلا تُطِعِ الْمُكذِّبِين (8) ودُّوا لوْ تُدْهِنُ فيُدْهِنُون (9)}.{إِنّ ربّك هُو أعْلمُ} بالمجانين على الحقيقة، وهم الذين ضلوا عن سبيله {وهُو أعْلمُ} بالعقلاء وهم المهتدون. أو يكون وعيدا ووعدا، وأنه أعلم بجزاء الفريقين {فلا تُطِعِ الْمُكذِّبِين} تهييج وإلهاب للتصميم على معاصاتهم، وكانوا قد أرادوه على أن يعبد اللّه مدة، وآلهتهم مدة، ويكفوا عنه غوائلهم {لوْ تُدْهِنُ} لو تلين وتصانع {فيُدْهِنُون}.فإن قلت: لم رفع {فيُدْهِنُون} ولم ينصب بإضمار (أن) وهو جواب التمني؟قلت: قد عدل به إلى طريق آخر: وهو أن جعل خبر مبتدإ محذوف، أى: فهم يدهنون، كقوله تعالى: {فمنْ يُؤْمِنْ بِربِّهِ فلا يخافُ} على معنى: ودوا لو تدهن فهم يدهنون حينئذ. أو ودوا إدهانك فهم الآن يدهنون، لطمعهم في إدهانك. قال سيبويه: وزعم هرون أنها في بعض المصاحف {ودوا لو تدهن فيدهنوا}..[سورة القلم: الآيات 10- 16] {ولا تُطِعْ كُلّ حلاّفٍ مهِينٍ (10) همّازٍ مشّاءٍ بِنمِيمٍ (11) منّاعٍ لِلْخيْرِ مُعْتدٍ أثِيمٍ (12) عُتُلٍّ بعْد ذلِك زنِيمٍ (13) أنْ كان ذا مالٍ وبنِين (14) إِذا تُتْلى عليْهِ آياتُنا قال أساطِيرُ الْأوّلِين (15) سنسِمُهُ على الْخُرْطُومِ (16)}.{حلّافٍ} كثير الحلف في الحق والباطل، وكفى به مزجرة لمن اعتاد الحلف. ومثله قوله تعالى: {ولا تجْعلُوا اللّه عُرْضة لِأيْمانِكُمْ}. مهِينٍ من المهانة وهي القلة والحقارة، يريد القلة في الرأى والتمييز. أو أراد الكذاب لأنه حقير عند الناس همّازٍ عياب طعان. وعن الحسن. يلوى شدقيه في أقفية الناس {مشّاءٍ بِنمِيمٍ} مضرب نقال للحديث من قوم إلى قوم على وجه السعاية والإفساد بينهم. والنميم والنميمة: السعاية، وأنشدنى بعض العرب:{منّاعٍ لِلْخيْرِ} بخيل. والخير: المال. أو مناع أهله الخير وهو الإسلام، فذكر الممنوع منه دون الممنوع، كأنه قال: مناع من الخير. قيل: هو الوليد بن المغيرة المخزومي: كان موسرا، وكان له عشرة من البنين، فكان يقول لهم وللحمته: من أسلم منكم منعته رفدي عن ابن عباس. وعنه: أنه أبو جهل. وعن مجاهد: الأسود بن عبد يغوث. وعن السدى: الأخنس ابن شريق، أصله في ثقيف وعداده في زهرة، ولذلك قيل: {زنيم} {مُعْتدٍ} مجاوز في الظلم حده {أثِيمٍ} كثير الآثام {عُتُلٍّ} غليظ جاف، من عتله: إذا قاده بعنف وغلظة بعْد ذلِك بعد ما عدّله من المثالب والنقائص {زنِيمٍ} دعى. قال حسان: وكان الوليد دعيا في قريش ليس من سنخهم، ادعاه أبوه بعد ثمان عشرة من مولده. وقيل: بغت أمّه ولم يعرف حتى نزلت هذه الآية، جعل جفاءه ودعوته أشد معايبه، لأنه إذا جفا وغلظ طبعه قسا قلبه واجترأ على كل معصية، ولأنّ الغالب أن النطفة إذا خبثت خبث الناشئ منها. ومن ثم قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم «لا يدخل الجنة ولد الزنا ولا ولده ولا ولد ولده» و{بعْد ذلِك} نظير {ثُمّ} في قوله: {ثُمّ كان مِن الّذِين آمنُوا} وقرأ الحسن: {عتل}، رفعا على الذم وهذه القراءة تقوية لما يدل عليه بعد ذلك. والزنيم: من الزنمة وهي الهنة من جلد الماعزة تقطع فتخلى معلقة في حلقها، لأنه زيادة معلقة بغير أهله {أنْ كان ذا مالٍ} متعلق بقوله: {ولا تُطِعْ} يعنى ولا تطعه مع هذه المثالب، لأن كان ذا مال. أى: ليساره وحظه من الدنيا. ويجوز أن يتعلق بما بعده على معنى: لكونه متمولا مستظهرا بالبنين كذب آياتنا ولا يعمل فيه قال الذي هو جواب إذا، لأن ما بعد الشرط لا يعمل فيما قبله، ولكن ما دلت عليه الجملة من معنى التكذيب. وقرئ: {أأن كان}؟ على الاستفهام على: إلا لأن كان ذا مال وبنين، كذب. أو أتطيعه لأن كان ذا مال. وروى الزبيري عن نافع: {إن كان}، بالكسر والشرط للمخاطب، أى: لا تطع كل حلاف شارطا يساره، لأنه إذا أطاع الكافر لغناه فكأنه اشترط في الطاعة الغنى، ونحو صرف الشرط إلى المخاطب صرف الترجي إليه في قوله تعالى: {لعلّهُ يتذكّرُ} الوجه: أكرم موضع في الجسد، والأنف أكرم موضع من الوجه لتقدمه له، ولذلك جعلوه مكان العز والحمية، واشتقوا منه الأنفة. وقالوا الأنف في الأنف، وحمى أنفه، وفلان شامخ العرنين. وقالوا في الذليل: جدع أنفه، ورغم أنفه، فعبر بالوسم على الخرطوم عن غاية الإذلال والإهانة، لأن السمة على الوجه شين وإذالة، فكيف بها على أكرم موضع منه، ولقد وسم العباس أباعر في وجوهها، فقال له رسول اللّه صلى الله عليه وسلم «أكرموا الوجوه» فوسمها في جواعرها وفي لفظ {الخرطوم}: استخفاف به واستهانة. وقيل معناه: سنعلمه يوم القيامة بعلامة مشوهة يبين بها عن سائر الكفرة، كما عادى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عداوة بان بها عنهم. وقيل: خطم يوم بدر بالسيف فبقيت سمة على خرطومه. وقيل: سنشهره بهذه الشتيمة في الدارين جميعا، فلا تخفى، كما لا تخفى السمة على الخرطوم. وعن النضر بن شميل: أن الخرطوم الخمر، وأن معناه: سنحده على شربها وهو تعسف. وقيل للخمر: الخرطوم، كما قيل لها: السلافة. وهي ما سلف من عصير العنب. أو لأنها تطير في الخياشيم. .[سورة القلم: الآيات 17- 33] {إِنّا بلوْناهُمْ كما بلوْنا أصْحاب الْجنّةِ إِذْ أقْسمُوا ليصْرِمُنّها مُصْبِحِين (17) ولا يسْتثْنُون (18) فطاف عليْها طائِفٌ مِنْ ربِّك وهُمْ نائِمُون (19) فأصْبحتْ كالصّرِيمِ (20) فتنادوْا مُصْبِحِين (21) أنِ اغْدُوا على حرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صارِمِين (22) فانْطلقُوا وهُمْ يتخافتُون (23) أنْ لا يدْخُلنّها الْيوْم عليْكُمْ مِسْكِينٌ (24) وغدوْا على حرْدٍ قادِرِين (25) فلمّا رأوْها قالوا إِنّا لضالُّون (26) بلْ نحْنُ محْرُومُون (27) قال أوْسطُهُمْ ألمْ أقُلْ لكُمْ لوْلا تُسبِّحُون (28) قالوا سُبْحان ربِّنا إِنّا كُنّا ظالِمِين (29) فأقْبل بعْضُهُمْ على بعْضٍ يتلاومُون (30) قالوا يا ويْلنا إِنّا كُنّا طاغِين (31) عسى ربُّنا أنْ يُبْدِلنا خيْرا مِنْها إِنّا إِلى ربِّنا راغِبُون (32) كذلِك الْعذابُ ولعذابُ الْآخِرةِ أكْبرُ لوْ كانُوا يعْلمُون (33)}إنا بلونا أهل مكة بالقحط والجوع بدعوة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عليهم {كما بلوْنا أصْحاب الْجنّةِ} وهم قوم من أهل الصلاة كانت لأبيهم هذه الجنة دون صنعاء بفرسخين، فكان يأخذ منها قوت سنته ويتصدق بالباقي، وكان يترك للمساكين ما أخطأه المنجل، وما في أسفل الأكداس، وما أخطأه القطاف من العنب، وما بقي على البساط الذي يبسط تحت النخلة إذا صرمت، فكان يجتمع لهم شيء كثير، فلما مات قال بنوه: إن فعلنا ما كان يفعل أبونا ضاق علينا الأمر ونحن أولو عيال، فحلفوا ليصرمنها مصبحين في السدف خفية عن المساكين، ولم يستثنوا في يمينهم، فأحرق اللّه جنتهم. وقيل: كانوا من بنى إسرائيل {مُصْبِحِين} داخلين في الصبح مبكرين {ولا يسْتثْنُون} ولا يقولون إن شاء اللّه. فإن قلت. لم سمى استثناء، وإنما هو شرط؟ قلت: لأنه يؤدى مؤدى الاستثناء، من حيث أن معنى قولك: لأخرجنّ إن شاء اللّه، ولا أخرج إلا أن يشاء اللّه. واحد {فطاف عليْها} بلاء أو هلاك {طائِفٌ} كقوله تعالى: {وأُحِيط بِثمرِهِ} وقرئ: {طيف} {فأصْبحتْ كالصّرِيمِ} كالمصرومة لهلاك ثمرها. وقيل: الصريم الليل، أى. احترقت فاسودت. وقيل: النهار أى: يبست وذهبت خضرتها. أو لم يبق شيء فيها، من قولهم: بيض الإناء، إذا فرغه. وقيل الصريم الرمال {صارِمِين} حاصدين. فإن قلت: هلا قيل: اغدوا إلى حرثكم، وما معنى على؟ قلت: لما كان الغدوّ إليه ليصرموه ويقطعوه: كان غدوّا عليه، كما تقول: غدا عليهم العدوّ. ويجوز أن يضمن الغدوّ معنى الإقبال، كقولهم: يغدى عليه بالجفنة ويراح، أى: فأقبلوا على حرثكم باكرين يتخافتُون يتسارّون فيما بينهم.وخفى، وخفت، وخفد: ثلاثتها في معنى الكتم، ومنه: الخفدود للخفاش {أنْ لا يدْخُلنّها} أن مفسرة. وقرأ ابن مسعود بطرحها بإضمار القول، أى يتخافتون يقولون لا يدخلنها، والنهى عن الدخول للمسكين نهى لهم عن تمكينه منه، أى: لا تمكنوه من الدخول حتى يدخل، كقولك: لا أرينك هاهنا. الحرد: من حردت السنة إذا منعت خيرها، وحاردت الإبل إذا منعت درّها. والمعنى: وغدوا قادرين على نكد، لا غير عاجزين عن النفع، يعنى أنهم عزموا أن يتنكدوا على المساكين ويحرموهم وهم قادرون على نفعهم، فغدوا بحال فقر وذهاب مال لا يقدرون فيها إلا على النكد والحرمان، وذلك أنهم طلبوا حرمان المساكين فتعجلوا الحرمان والمسكنة. أو وغدوا على محاردة جنتهم وذهاب خيرها قادرين، بدل كونهم قادرين على إصابة خيرها ومنافعها، أى: غدوا حاصلين على الحرمان مكان الانتفاع، أو لما قالوا اغدوا على حرثكم وقد خبثت نيتهم: عاقبهم اللّه بأن حاردت جنتهم وحرموا خيرها، فلم يغدوا على حرث وإنما غدوا على حرد. و{قادِرِين} من عكس الكلام للتهكم، أى: قادرين على ما عزموا عليه من الصرام وحرمان المساكين، وعلى حرد ليس بصلة قادرين، وقيل: الحرد بمعنى الحرد.وقرئ: {على حرد}، أى لم يقدروا إلا على حنق وغضب بعضهم على بعض، كقوله تعالى: {يتلاومُون} وقيل: الحرد القصد والسرعة، يقال: حردت حردك. وقال:وقطا حراد: سراع، يعنى: وغدوا قاصدين إلى جنتهم بسرعة ونشاط، قادرين عند أنفسهم، يقولون: نحن نقدر على صرامها وزى منفعتها عن المساكين. وقيل {حرْدٍ} علم للجنة، أى غدوا على تلك الجنة قادرين على صرامها عند أنفسهم. أو مقدرين أن يتم لهم مرادهم من الصرام والحرمان قالوا في بديهة وصولهم {إِنّا لضالُّون} أى ضللنا جنتنا، وما هي بها لما رأوا من هلاكها، فلما تأملوا وعرفوا أنها هي قالوا {بلْ نحْنُ محْرُومُون} حرمنا خيرها لجنايتنا على أنفسنا {أوْسطُهُمْ} أعدلهم وخيرهم، من قولهم: هو من سطة قومه، وأعطنى من سطات مالك. ومنه قوله تعالى: {أُمّة وسطا}. {لوْلا تُسبِّحُون} لولا تذكرون اللّه وتتوبون إليه من خبث نيتكم، كأن أوسطهم قال لهم حين عزموا على ذلك: اذكروا اللّه وانتقامه من المجرمين، وتوبوا عن هذه العزيمة الخبيثة من فوركم، وسارعوا إلى حسم شرها قبل حلول النقمة، فعصوه فعيرهم. والدليل عليه قولهم {سُبْحان ربِّنا إِنّا كُنّا ظالِمِين} فتكلموا بما كان يدعوهم إلى التكلم به على أثر مقارفة الخطيئة، ولكن بعد خراب البصرة. وقيل: المراد بالتسبيح. الاستثناء لالتقائهما في معنى التعظيم للّه، لأنّ الاستثناء تفويض إليه، والتسبيح تنزيه له، وكل واحد من التفويض والتنزيه تعظيم. وعن الحسن: هو الصلاة، كأنهم كانوا يتوانون في الصلاة، وإلا لنهتهم عن الفحشاء والمنكر، ولكانت لهم لطفا في أن يستثنوا ولا يحرموا {سُبْحان ربِّنا} سبحوا اللّه ونزهوه عن الظلم وعن كل قبيح، ثم اعترفوا بظلمهم في منع المعروف وترك الاستثناء يتلاومُون يلوم بعضهم بعضا، لأنّ منهم من زين، ومنهم من قبل، ومنهم من أمر بالكف وعذر ومنهم من عصى الأمر، ومنهم من سكت وهو راض {أنْ يُبْدِلنا} قرئ بالتشديد والتخفيف {إِلى ربِّنا راغِبُون} طالبون منه الخير راجون لعفوه {كذلِك الْعذابُ} مثل ذلك العذاب الذي بلونا به أهل مكة وأصحاب الجنة عذاب الدنيا {ولعذابُ الْآخِرةِ} أشد وأعظم منه.وسئل قتادة عن أصحاب الجنة: أهم من أهل الجنة أم من أهل النار؟ فقال: لقد كلفتنى تعبا.وعن مجاهد: تابوا فأبدلوا خيرا منها.وروى عن ابن مسعود رضى اللّه عنه: بلغني أنهم أخلصوا وعرف اللّه منهم الصدق فأبدلهم بها جنة يقال لها الحيوان: فيها عنب يحمل البغل منه عنقودا.
|